تخلى عن المثاليات

main

كثير ممن يصابون بعلل نفسية أو قلق ونحوه هم أشخاص مثاليون أشخاص يريدون من كل شئ فى الدنيا أن يسير على ما يرام , أو يكون كما ينبغى أن يكون , يعنى أنهم لا يقبلون بالقصور ويقلقلون بشأن أى خلل يمكن أن يكون ... فهم يريدون أصدقاء بلا عيوب ... وزوجات بغير قصور ... وزواجآ بغير مشاكل ... وأطفالا طائعين غير مشاكسين ... ورؤساء فى العمل غير متسلطين وأطباء مخلصين فى عملهم وغير مستغلين ... إلخ .

وهم يقولون : لماذا لا تكون الحياة بغير منغصات ؟! لماذا لا نقضى على هذه المنغصات , وتصيبهم الكآبة والأحزان على كل وضع من هذه الأوضاع المؤسفة ! والحقيقة التى ينبغى علينا أن ندركها جميعآ أن الحياة الدنيا من سماتها القصور , وان المثالية فى الدنيا غير موجودة إلا فى خيال الشعراء , وفى المدن الفاضلة للفلاسفة والحكماء .

وعلى سبيل المثال فإن تحقق الصدق فى الدنيا أم مستحيل , فسوف تجد من يكذب بل ومن يخادع بل ومن ينافق وهم كثيرون فالصدق المطلق لن يكون , فهل تحزن وتأسى لأن فلانآ على عظم مكانته عند بعض الناس هو إنسان كذاب ؟! وهل تكتئب لأن فلانآ الذى كنت تظنه مخلآ اكتشفت أنه منافق ؟!!

وهل يصيبك القلق والتعاسة حين ترى الظلم والبطش والطغيان ينال الضغفاء ولا ينال الأقوياء رغم جرائمهم الواضحة للعيان ؟

إن جهادك فى سبيل الصدق والحق والعدل ومحاربة الظلم والظالمين أمر مهم وضرورى لكن تأثرك نفسيآ بتلك الأمور وتوقعك أن تسير الدنيا كما ينبغى أو كما تريد فإن لم يحدث يصبك القلق أو الحزن هذا هو غير المطلوب وغير الرغوب .. لماذا ؟ لأن ذلك يمثل هزيمة نفسية لك , هذه الهزيمة النفسية تجعلك لا تستمتع بالحياة , ومن ثم يصيبك الأكتئاب والملل , ومن ثم لا تستطيع أن تؤدى المهام المنوطة بك جيدآ وطبعآ لا تستطيع أن تفكر منطقيآ وبوضوح وبعقلانية لتعديل ما تراه خاطئآ بل قد تتصرف بعاطفة غير متعلقة عاطفة تسيطر عليها مشاعر الغيظ والكبت والانفجار .

لابد ان تعلم وتدرك تمامآ أن الدنيا فيها الكدر والصفاء والعدل والظلم والحب والبغض والصدق والكذب وأن هناك منافقين يحسنون التلون بمختلف الألوان . قد تكتشف فى وقت متأخر جدآ فلا تحزن فليس من المفترض فيك انك تعلم الخبايا والأسرار فالله وحده هو الذى يعلم السر واخفى .

بل إنك ستفاجأ يوم القيامة بأناس كنت تسحبهم ملائكة فإذا بهم إحوان إبليس وأعوانه وستفاجأ بآخرين كنت تحسبهم وطنيين مخلصين فإذا هم عملاء خونة باعوا الوطن فى خسة ودناءة , وستفاجأ بأناس كانوا يتهمون بتهم خطيرة فإذا هم منها براآء .. إلخ . وليس معنى هذا أن تعامل الناس على أن ظاهرهم لابد وأن يكون مختلفآ عن باطنهم ولكن أن تقدر انك قد تجد بعض من تثق فيهم يخونون هذه الثقة بعضآ وليس كلآ فإذا حدث هذا فلا تنهر ولا تتحطم أعصابك ولكن تقبل الأمر بصدر رحب واعلم أن هذه هى طبيعة الدنيا .

واستمع إلى هذا الحديث : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرىء فقد قيل ثم أمر به فحسب على وجهه حتى ألقى فى النار .

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن , قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم , وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فحسب على وجهه حتى ألقى فى النار .

ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله , فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى فى النار .

فانظر أخى المسلم كيف تقلب الآخر موازين الدنيا نعم إنها " خافضة رافعة " فهؤلاء الناس كانوا فى الدنيا من أعاظم الناس ... وربما أنت تعرف أحدهم وتحبه كثيرآ .

وقد يظهر لك فى الدنيا نفاقة ورياؤه وعدم إخلاصه العمل وقد لا يظهر لك إلا يوم القيامة , فإذا اكتشفت بعد حين أنك خدعت بشخص معين فلا تحزن فهو لم يخدعك هو خدع نفسه وأوردها موارد التهلكة وماذا يضيرك أنت من فعله ؟!!

بعد كل هذا هل تحزن لأنك فعلت الخير ولم يقابل الخير بمثله ؟! وهل تحزن لأنك تعبت فى تربية أولادك مثلآ ثم هم اليوم لا يقدرون هذا التعب ؟!

وهل تحزن لأن فلانآ سبقك فى العمل وهو دونك فى الإنجاز ودونك فى الكفاءة ؟!! ... إلخ .

ماذا يهمك إذا كانت الموازين فى الدنيا كثيرآ ما تكون مقلوبة ؟!! فليكن المهم أن أجرك محفوظ لك , وعملك مدخر لك وأنت مجزى به وتعبك ومجهودك لن يضيع أبدآ طالما أنك ابتغيت به وجه الله تعالى ... كل ذلك سيثقل ميزانك يوم تخف موازين آخرين .

عن Fatma Fadel

فاطمه فاضل مهتمه بالموضه و مترجمه وكاتبه في مجال الازياء و الاتيكيت ولها العديد من المقالات المترجمة في هذا المجال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *